قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض .. وأهم الدروس المستفادة
قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض من القصص الإسلامية الواقعية الشهيرة، والتي تناولتها كتب السيرة والتاريخ الإسلامي باستفاضة، وذلك لما تنطوي عليه من العبر والدروس الجديرة بالتأمل.
عن قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض، وما نتعلمه منها من دروس عقائدية وإنسانية قيمة سينصب الحديث في هذا المقال فاتبعوه حتى نهايته.
قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض
ربما يعلم أكثرنا قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك باختصار أو بصورة عابرة، ولكنا سنتناولها هنا بالتفصيل لنعلم خفايا النفس الإنسانية حين يمسها الضعف البشري وتركن إلى اتباع الهوى، وما قد يترتب على ذلك من مشاعر الخوف والضيق والألم النفسي الممزوج بالندم.
تبدأ قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض مع إعلان النبي –
صلى الله عليه وسلم- لغزوة تبوك ونيته أن يقاتل الروم الذين أضمروا نية القتال للمسلمين، وخططوا للتغلب على المسلمين والنيل منهم، وهم جيش معروفون بقوة العدة والعتاد وكثرة المقاتلين وعظم الجيوش.
الدعوة إلى الجهاد وردة فعل المنافقين
دعى النبي أصحابه للقتال وحضهم على الاستعداد له بما يستطيعون إلى ذلك سبيلاً، ولم يسمح لأحد منهم بالتخلف عنه إلا المرضى وذوي الأعذار، وبعض المنافقين الذين أظهروا الولاء للإسلام، وكان باطنهم خلاف ذلك، فخارت قواهم عن الدفاع وقعدت هممم عن القتال في حرب ضارية مع عدو لا يرحم.
ظهر خذلان المنافقين وتخاذلهم عن نصرة الإسلام ونبي الإسلام واضحاً جلياً، غير أنهم تقنعوا ببعض الأقنعة الواهية والأعذار البالية، التي لا تغني عنهم من الله ورسوله شيئاً، ولا تمنحهم أي حق في التقاعد أو التخلف عن القتال.
من الشخصيات المعروفة التي ظهر نفاقها رجل يدعي الجد بن قيس الذي طلب من النبي أن يأذن له بالقعود، بحجة أنه يخشى على نفسه أن يقع في فتنة نساء الروم، فاستنكر النبي عذره وتركه، ونزل فيه قول الله جل وعلا:(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ).
كانت غزوة تبوك في السنة التاسعة بعد الهجرة، وقد كانت غزوة صعبة ومرهقة جداً للمسلمين، حيث كانوا مطالبين بمحاربة جيش كرار من الروم، في وقت عصيب عرف بحرارة الجو وصعوبة تجهيز الجيش، حتى أنهم أطلقوا على تلك الغزوة غزوة العسرة وذلك لما تنطوي عليه من المشقة والعسر، مما دفع الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- إلى المساهمة في تجهيز الجيش بأموالهم وجهودهم الذاتية، وعلى رأسهم سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
شاهد ايضا: تفسير حلم رش الماء على الوجه .. تفسير حلم سكب الماء الساخن على شخص
من هم الثلاثة الذين خلفوا حتى ضاقت عليهم الارض؟
على الرغم من إدراك المسلمين أن القعود عن الجهاد مع النبي -صلى الله عليه وسلم كبيرة- من الكبائر، ومعصية خطيرة إلا أنه لم يسلم منها المنافقين من ضعاف الإيمان، ولم يحملهم نفاقهم على الكذب في هذا الأمر، وللأسف لم يسلم منه بعض المسلمين رغم صدق إيمانهم وعظيم حبهم لله ورسوله ودعوته، غير أن الكسل واتباع الهوى وحب الدنيا غلب بعضهم، فآثروا القعود بلا مانع أو عذر.
ومن أبرزهم قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض الذين أنزل الله فيهم قرآناً يتلى إلى يوم الدين (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ) وهم هلال بن أمية وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع.
المتخلفون عن القتال بين يدي رسول الله
بعد انتهاء غزوة تبوك ورجوع النبي وأصحابه توجه -عليه الصلاة والسلام- إلى المسجد فصلى ركعتين ثم جلس، وقد بدأ المتخلفون يتوافدون إليه و يبسطون الأعذار بين يديه، معززين أعذارهم بالأيمان والحلف، وقد بلغ عددهم ما يزيد عن ثمانين رجلاً، منهم الصادق وكثير منهم كاذبون.
سمع النبي من كل منهم عذره، و قبل مبايعتهم بناء على ظاهر كلامهم وترك بواطنهم إلى الله جل وعلا، إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم بذنوبهم.
وكان من بين هؤلاء كعب بن مالك الذي ناداه النبي، وسأله معاتباً عن سبب تخلفه عن القتال، وكان باستطاعة كعب أن يكذب ويختلق الأعذار من مرض أو نحوه، ولكنه أبى إلا أن يصدق رسول الله، فأخبره أنه كان بخير حال وأنه لم يكن يمنعه ضعف أو وهن أو مرض، بل أكد أنه ما كان أيسر حالاً ولا أشد قوة منه في هذا الوقت!
فقال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :أما هذا فقد صدق! ثم أمره بالقيام حتي يحكم الله فيه، فقام من أمامه.
ولم يكن هذا حال كعب بن مالك وحده، بل جرى معه ما جرى مع صاحبيه مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أُمية الوافقي، وهما من المشهود لهم بالصلاح وقد شهد بدراً وأبلوا فيها بلاءً حسنا.
قد يهمك: تفسير حلم هدية جوال ايفون ابيض للعزباء والمتزوجة والرجل
حال الثلاثة الذين خلفوا
قصة الثلاثة الذين خلفوا بعد أن سمع ثلاثتهم ما سمعو من رسول الله، خرجوا وكلهم هم وحزن وحسرة على ما فرطوا في جنب الله، وما اقترفوه من الذنب، منتظرين حكم الله فيهم.
أما تلك الفترة فكانت أصعب فترة مرت عليهم، حيث نهى النبي المسلمين عن التعامل معهم أو التحدث اليهم، فقاطعهم الناس وهجروهم، وضاقت عليهم الأرض وضاقت عليهم أنفسهم وشعروا بالألم والحزن قد بلغ ذروته، فما كان من مرارة بن الربيع وهلال بن أمية إلا أن حبسوا أنفسهم في ديارهم وانكبوا يبكون على أحوالهم وما صاروا إليه، بين الحسرة والخوف من غضب الله إلى ما شاء الله!
موقف كعب بن مالك
كان كعب بن مالك أكثرهم تحملاً وصبراً فكان يخرج إلى السوق ويمارس بعض أعماله، ولكنه لم يكن أقل منهما هما ولا كدراً!
وكان كلما لقي النبي رد عليه السلام فلم يكلمه، وكلما لقي أحدا ً من أصحابه بدأ الكلام فلم يكلمه، حتى شق ذلك على نفسه، فجائته رسالة من ملك غسان، يدعوه إلى اللحاق به يواسيه ويعوضه عما لقيه من الجفاء من رسول الله وأصحابه، فلما قرأ الرسالة خشي أن يفتن بها، وقال: هذا أيضاً من البلاء.
بعد مضي أربعين ليلة على هذا الحال أرسل رسول الله إلى كل منهم رسولاً يأمره باعتزال زوجته، فكان في ذلك ما فيه من تمام الوحشة وشمول الغم والهم، وقد استمر هذا الوضع عشرة ليال أخر علي قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض.
قد يهمك ايضا: رؤية أسنان شخص آخر في المنام بيضاء
نهاية قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض
قصة الثلاثة الذين خلفوا بعد انقضاء خمسين يوماً على هذا الحال، وبينما كان كعب بن مالك جالس يذكر الله إذ جاءه رجل ينادي: أبشر! فعرف أنه قد تاب الله عليه، وتوجه من فوره إلى رسول الله، وسلم، فرد عليه السلام وقال له: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك!
ثم نزل قوله تعالى: (لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
دروس وعبر من قصة الثلاثة الذين خلفوا
لعل أهم الدروس التي نستخلصها من قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض هي:
- وجوب مجاهدة النفس وعدم اتباع الهوى.
- الصدق والاعتراف بالذنب أول درجات التوبة.
- إن الله يحب المؤمنين ويتجاوز عن التوابين.
وأخيراً نكون قد انتهينا من استعراض قصة الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض وما مر بهم من تجربة قاسية مريرة، بين مشاعر الندم والاضطهاد التي عايشوها، وحتى من الله عليهم بالتوبة والعفو قصة الثلاثة الذين خلفوا
قد يفيدك: